كيف تطورت الأحداث الجنونية في سوق الانتقالات؟
نعيش الآن أحداث جنونية في سوق الانتقالات الصيفية الحالية بانتقال اللاعبين من نادٍ لآخر في صفقات قياسية ودفع أموال طائلة لهذه الصفقات، ليقوم كل نادٍ بتدعيم صفوفه باللاعبين الذين يحتاجوهم، ولكن من أين جاءت فكرة الميركاتو؟
بالتزامن مع المحاولات الأولى لإنشاء نظام احترافي لكرة القدم في إنجلترا بمنتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتحديدا في 1885، عندما أصبحت مهنة “لاعب كرة القدم” رسمية ومعترف بها، وضعت اللبنة الأولى في نظام الانتقالات الذي نعرفه اليوم.
وقبل هذه الخطوة الهامة والمؤثرة في تاريخ اللعبة، كانت الأندية تدفع أجور للاعبين غير قانونيين، وقام مالكو الأندية بالعديد من حالات الدفع غير القانونية لإغراء النجوم، إذ لم يكن هناك نظام، وبوسع اللاعب أن ينتقل إلى أي ناد وقتما يريد.
هذه الفوضى حولت النجوم إلى مرتزقة مأجورين، يتحركون نحو من يدفع أكثر، استغلالا لرغبة الجميع في تحقيق الانتصار داخل الملعب، وحتى لو كان سببا في تكبد خسائر مالية كبيرة، وفقا لما جاء بتقرير صحيفة “ذا أثلتيك” البريطانية حول تاريخ “الميركاتو” بكرة القدم، أدرك الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، التأثير السلبي لهذا النوع من الانتقالات الفوضوية على نزاهة المنافسة، لذلك قرر اتخاذ الإجراءات اللازمة.
وكانت النتيجة إضفاء الطابع الاحترافي على كرة القدم في 1885، الذي يتطلب تسجيل جميع اللاعبين المحترفين في الاتحاد، قبل بداية الموسم الكروي، وعقب انطلاق الموسم، لا يجوز لأي لاعب مغادرة فريقه حتى موعد التسجيل المقبل، على أن تتم الصفقة بموافقة نادي اللاعب والاتحاد الإنجليزي.
ومع شعور الأندية بأنهم يستحقون تعويضا ماليا عن رحيل لاعب ما، فقد أدى ذلك إلى وضع نظام جديد يمكّن الأندية من الاحتفاظ بلاعبيها، والفرق الرئيسي بين هذا النظام و”سوق الانتقالات” اليوم، هو أن اللاعبين آنذاك لم يتمكنوا من الانتقال مجانا بعد انتهاء مدة عقودهم، ما لم تدفع الأندية الجديدة مقابل الانتقال المطلوب.
وبسبب هذا القانون الجديد، انتقلت دفة القوة التفاوضية للأندية، حيث أصبحت تتمتع بالقدرة على المساومة، ما مكنها من الاحتفاظ باللاعب وعرض عقد (عادة ما يكون لمدة سنة واحدة)، أو الانتظار حتى يقدم ناد آخر عرضا مناسبا لشراء اللاعب.
الأمر تحول برمته في عام 1992، حينما وقعت معاهدة ” ماستريخت” بالتزامن مع انتهاء عقد بوسمان مع ناديه البلجيكي “آر سي لييج”، والذي قدم عرضا مخفضا إليه، وهو ما لم يروق لبوسمان، ليبدأ البحث عن ناد آخر يقدّر خدماته بشكل أفضل ماديا.
وقدم النادي الفرنسي “دونكيرك” عرضا مناسبا لبوسمان، إلا أن ناديه البلجيكي وقف في وجه الصفقة، بحجة تخوفه من عدم قدرة “دونكيرك” على تحمل قيمة الصفقة.
وقرر بوسمان اللجوء إلى القضاء، ورفع شكوى إلى محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ ضد ثلاث جهات: نادي آر سي لييج، والاتحاد البلجيكي لكرة القدم، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا”، على أساس أنهم قيدوا حركته بشكل غير قانوني في سوق العمل.
وجاء تصرف الجهات المذكورة مع بوسمان ضد المادة 39 من قانون العمل في المعاهدة الأوروبية “ماستريخت”، تلك المادة أصبحت نواة لـ “قانون بوسمان” المستند في جوهره على أن لاعبي كرة القدم تسري عليهم قوانين العمل الأوروبية بصفتهم عمالا يحق لهم حرية الانتقال والحركة، دون تعرضهم للابتزاز أو العزل أو التهديد.
وبعد سنوات من المداولات والشد والجذب، وتحديدا في 15 ديسمبر من عام 1995. فاز بوسمان بنزاعه، لينتصر جميع لاعبي كرة القدم حول العالم وليس في أوروبا فقط.
وأتاح “قانون بوسمان” للأندية الأوروبية الاعتماد على عدد غير محدود من اللاعبين المنتمين لدول الاتحاد الأوروبي، واعتبارهم غير محترفين، كما فسح المجال لمغادرة اللاعبين لفرقهم بشكل مجاني بمجرد انتهاء عقودهم أو بالتفاوض مع الأندية الراغبة في التوقيع معهم قبل 6 أشهر من انتهاء عقودهم مع أنديتهم، ليتغير الميركاتو إلى الأبد